معلومات الكاتب

رأس المال النفسي: الحلقة المفقودة في دعم رواد الأعمال
فائق العلي
خبير في تحليل البيانات وإدارة المشاريع
كاتب وباحث في الشأن السوري، خبير ومدرب في مجالات تحليل البيانات وإدارة المشاريع التنموية.
عرض مقالات الكاتب

بيانات التواصل

شارك المحتوى

رأس المال النفسي: الحلقة المفقودة في دعم رواد الأعمال

إدارة المشاريع التنموية
الجمعة، 11 يوليو 2025
100 مشاهدة
blog

كثيرة هي المشاريع التنموية الهادفة لدعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة، لنقل المجتمعات المستهدفة من حالة الإغاثة والاستجابة الطارئة إلى حالة التعافي والتنمية، ولكن الناظر يجد أثرا محدودا لتلك المشاريع مع اتصافها بالتخطيط الجيد والتنفيذ الصحيح للخطط الموضوعة والموارد المالية والبشرية والخبرات، ومع تعدد منهجياتها في العمل.


ورغم وجود أسباب خارجية متعددة تضعف أثر هذه المبادرات وتقلل من فرص نجاح واستمرارية المشاريع الصغيرة التي تدعمها، إلا أننا يمكن أن نلمح أيضا جانب نقص في تكوينها يضعف قدرتها على إحداث التأثير المطلوب، وهو إغفال خطط أكثرها العناية بالجانب النفسي للمقبلين على ريادة الأعمال أو إنشاء المشاريع الصغيرة، أو عدم إعطاءه الاهتمام الكبير المعطى لجوانب أخرى كالتمويل والتدريب والعلاقات العامة.


وما نجده أحيانا في تلك المشاريع من اهتمام بالجانب النفسي يكون غالبا اجتهادا من كادر المشروع ومدربيه المدركين أهمية هذا الجانب في تطوير شخصية رائد الأعمال ومدير المشروع الصغير ودعم نجاحه في المهام التي سيقع على عاتقه تنفيذها ومقاومته للتحديات التي سيواجهها ومرونته تجاه التغيرات التي سيشهدها بدءا من تأسيسه للمشروع ومرورا بكل مراحل تطويره وتنميته.

 

رأس المال النفسي، الأهمية والمفهوم!

 

الفجوة النفسية التي تغفلها المبادرات الموجودة هي من أسباب عزوف كثير من الشباب المالكين لرأس المال والمهارات التقنية عن تأسيس مشاريعهم الخاصة أو المغامرة بمالهم في استثمارات ريادية تعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعاتهم، ولذلك فإن تمكين تلك المبادرات للمستفيدين من المال والمهارات يذهب سدى ما داموا يفتقرون إلى ثقة تدفعهم لاغتنام الفرص وقوة تعينهم على الجهد والمثابرة والصبر في مواجهة المصاعب والتحديات.


ولأهمية هذا الجانب أدرجته بعض المدارس الإدارية في رأس مال المنظمة أو المشروع، فبالإضافة لرأس المال التقليدي للمنظمة (النقود والماديّات) ورأس المال البشري (المعارف والخبرات) ورأس المال الاجتماعي (التواصل والعلاقات) برز مصطلح رأس المال النفسي الذي يقيّم إحساس أفراد المنظمة بكفاءتهم وحافزيّتهم للعمل والإنجاز وتفاؤلهم تجاه المستقبل ومرونتهم تجاه التغيّرات وسرعة التعافي من النكسات وقابليتهم للتعلّم من التجارب وغير ذلك من صفات نفسية إيجابية تساعد أفراد المنظمة على النجاح الفردي والمساهمة في تحقيق أهداف المنظمة.

 

ما هو رأس المال النفسي؟


يعرّف رأس المال النفسي بأنه مجموعة من الصفات النفسية الإيجابية التي تساهم في تحسين أداء الأفراد وزيادة إنتاجيتهم، ويتكون من أربعة عناصر رئيسية:
  • الكفاءة الذاتية (Self-efficacy):  الثقة بامتلاك القدرة على الإنجاز.
  •  التفاؤل الواقعي (Optimism): النظرة الإيجابية للمستقبل.
  •  المرونة النفسية (Resilience): القدرة على تجاوز التحديات والنكسات.
  •  الأمل والمثابرة (Hope): الإصرار على تحقيق الأهداف رغم العقبات.


وتعزيز هذا القسم من رأس المال هو المفقود غالبا في جهود دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة، ولذلك فهي تقدم المنح والمعدات لدعم رأس المال التقليدي للمستفيدين منها، والتدريبات على المهارات التقنية والإدارية لدعم رأس المال البشري، وتساعد رواد الأعمال على التشبيك والتواصل مع المعنيين لدعم رأس المال الاجتماعي، ولكن القائمين على تلك المبادرات يفاجؤون كثيرا بضعف استجابة المستفيدين، وذلك إما لضعف ثقتهم بكفاءتهم في إدارة المشاريع، أو إحباطهم ويأسهم من تحقيق تغيرات في حيواتهم، وكل ذلك يعيق انطلاق مشاريعهم، أو أنهم يسارعون في إغلاق تلك المشاريع بعد فترة قصيرة من إطلاقها، إما لضعف الحافز على الاستمرار، أو للهشاشة تجاه التحديات، أو لقلة المرونة في ظل بيئات العمل المضطربة، أو لصعوبة التعلم من التجارب ومراكمة الخزين المعرفي وبالتالي الاستمرار في الأخطاء أو تضخمها إلى حيث تشكل تهديدا لبقاء المشروع.


وكما بقية أقسام رأس المال، فإن رأس المال النفسي لرائد الأعمال يساهم في تقوية الأقسام الأخرى، فالرائد الذي تزداد ثقته بنفسه وترتفع حافزية الإنجاز لديه من شأنه أن يزيد من رأس ماله البشري من خلال الاهتمام بتطوير معارفه ومهاراته، ومن شأنه أن يزيد من رأس ماله الاجتماعي من خلال توسيع شبكة علاقاته المهنية وتحسين طرق تواصله مع المعنيين، وكل ذلك من شأنه أن يساعده على الحصول على رأس ماله التقليدي وتنميته.


تعزيز رأس المال النفسي لرواد الأعمال!


عليه فمن المهم إدراج هذا الجانب في تخطيط المبادرات الهادفة لتشجيع ريادة الأعمال وتنشيط المشاريع الصغيرة، بحيث يكون إحداث التغيير الإيجابي في نفوس المستفيدين من تلك المبادرات أثرا تسعى لتركه، مؤشرا من مؤشرات نجاحها، وهدفا من أهداف أنشطتها، وذلك من خلال إشراك المستفيدين من تلك المبادرات في تدريبات وورش وتجارب محاكاة تساعد على تحفيزهم على العمل والاستمرار فيه، وزيادة مقاومتهم وصبرهم تجاه التحديات ومرونتهم تجاه التغيرات وتمكينهم من الثقة بقدرتهم على الانطلاق والإنجاز.


وكذلك يمكن إدراج أنشطة للحالات الخاصة من المستفيدين التي يظهر لديها نقص في رأس المال النفسي، من خلال جلسات الدعم والعلاج المعرفي السلوكي، لزيادة كفاءتهم ومرونتهم وتفاؤلهم وتغيير السلوكيات المؤثرة سلبا على إمكانية نجاحهم، بالإضافة إلى تدريبات متخصصة لإدارة الوقت والمهام وحل النزاعات والتفاوض واتخاذ القرار، وغيرها من أمور تساعدهم على الهدوء وتقليل التوتر والعمل بفاعلية تحت الضغط.


ومن المهم أيضا إدخال رأس المال النفسي لدى المستفيد في معايير اختيار المستفيدين من المنح والبرامج التدريبية الهادفة لدعم ريادة الأعمال وتطوير المشاريع الصغيرة، بالإضافة إلى السلامة الجسدية والعقلية والمهارات التقنية والإدارية، إذ ليس كل الناس مهيئا ليكون رائد أعمال، ولا كلهم قادرا على أن يدير مشروعا صغيرا بفاعلية ونجاح.


وبالإضافة للأسئلة التي تقيم جوانب رأس المال المختلفة لرائد الأعمال، "ماذا يملك؟" لتقييم رأس المال التقليدي، و"ماذا يستطيع أن يفعل؟" لتقييم رأس المال البشري، و"من يعرف؟" و"كيف يتواصل؟" لتقييم رأس المال الاجتماعي، من المهم أن نسأل "من هو؟" لمعرفة شخصيته وتقييم رأس المال النفسي لديه، وربما يكون هذا السؤال هو الأهم، وهو المقدّم على بقية الأسئلة، لأن رأس المال هذا هو الأساس في حفظ وتنمية بقية الأقسام من رأس مال المشروع.

 

خلاصة القول 


الاهتمام برأس المال النفسي ليس ترفا يستغنى عنه، ولا رفاهية يمكن تجاوزها للتركيز على جوانب أخرى، بل هو ركن من أركان نجاح رائد الأعمال وصاحب المشروع الصغير، وبضعف هذا الركن قد لا تقوى الأركان الأخرى على حمل المشروع وتثبيت وجوده ودعم نماءه وتوسعه.
ولا يصح النظر إلى المشاريع الصغيرة على أنها آلات تعمل بنجاح إذا ما توفرت لها الشروط الماديّة المناسبة فحسب، فما دام الإنسان هو المتحكم بهذه المشاريع فإن الاهتمام به هو ما يصنع الفارق الحقيقي، وخاصة الجانب النفسي الذي يدفعه نحو العمل والإنجاز ويوجهه نحو النجاح والتفوق.

هل كان المقال مفيداً؟

يجب عليك تسجيل الدخول لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

المزيد من المقالات
عندما تتحول التنمية إلى بيروقراطية ماليــة
إدارة المشاريع التنموية
الأربعاء، 7 مايو 2025

عندما تتحول التنمية إلى بيروقراطية ماليــة

يتناول المقال أبرز التحديات الإدارية التي تواجه المشاريع التنموية الممولة، ويسلط الضوء على ثلاث عقليات سلبية تؤثر على فاعلية الأثر، مع تقديم حلول عملية لتعزيز الشفافية والاستدامة.
avatar
عقيل بكور
ممارس في إدارة المشاريع
0 404
نموذج عمل المنظمات غير الربحية: كيف تروي قصة منظمتك ؟
إدارة المشاريع التنموية
الأربعاء، 14 مايو 2025

نموذج عمل المنظمات غير الربحية: كيف تروي قصة منظمتك ؟

تعرف على أهمية نموذج العمل للمنظمات غير الربحية وكيفية استخدامه لرواية قصة المنظمة وتعزيز فهمها وتأثيرها.
avatar
مأمون الأشقر
خبير في تطوير الأعمال التنموية
0 475
أدوات فعالة في إدارة المفاوضات لمشاريع ناجحة
إدارة المشاريع التنموية
الاثنين، 16 يونيو 2025

أدوات فعالة في إدارة المفاوضات لمشاريع ناجحة

دليلك العملي لفهم أدوات التفاوض في إدارة المشاريع وتحقيق علاقات فعالة ونتائج مستدامة.
avatar
أيمن جروان
خبير في إدارة المشاريع الاجتماعية والتكنولوجيا
0 155