معلومات الكاتب
دور الابتكار الرقمي في تعزيز كفاءة العمل الإنساني

شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في أساليب العمل الإنساني، وبات الابتكار الرقمي أحد أبرز عناصر تعزيز كفاءة المنظمات الإنسانية وفعالية استجابتها. لم يعد التحوّل الرقمي أمراً اختيارياً أو تكميلياً، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق الأثر المستدام والوصول إلى المستفيدين بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
من خلال قربي من العمل الإنساني، إذ تعمل زوجتي منذ سنوات في هذا المجال ولدي عدد كبير من الأصدقاء يعملون في القطاع الإنساني، استطعت رؤية الأثر الكبير الذي يُحدثه التحول الرقمي في رفع سرعة الاستجابة وتحسين التنظيم والإدارة الداخلية للمؤسسات الإنسانية، إضافة إلى تحسين جودة التواصل والتنسيق بين فِرق العمل.
تسريع الاستجابة وتسهيل العمليات الإنسانية
يُعد الوقت في المجال الإنساني أحد أهم العوامل التي تؤثر على نجاح عمليات الإغاثة والاستجابة. الحلول الرقمية مثل التطبيقات الذكية وأنظمة جمع وتحليل البيانات الفورية أصبحت من الأدوات الرئيسية التي تُساعد على اتخاذ القرارات بسرعة وكفاءة.
من أبرز ما لمسته في هذا السياق كيف تسهم هذه الأدوات في تقليص الوقت اللازم لإيصال المساعدات، وكيف تتيح للمؤسسات الإنسانية الاستجابة السريعة عبر بيانات دقيقة تجمع من الميدان مباشرة.
إدارة الموارد بكفاءة: أهمية أنظمة ERP
أحد الجوانب المهمة للتحوّل الرقمي هو تبنّي أنظمة تخطيط الموارد المؤسسية (ERP). تساهم هذه الأنظمة في تنظيم عمليات المشتريات، وإدارة الميزانيات، وتتبع الموارد بشكل آلي، ما يقلل من الوقت والجهد المبذولَين في الأعمال الإدارية الروتينية.
سبق لي شخصياً أن شاركت في مشروع لتطوير نظام إدارة المشتريات لإحدى المنظمات العالمية. لاحظت حينها بوضوح كيف أحدث النظام الجديد فرقاً حقيقياً في إدارة العمليات الشرائية، بدءاً من أتمتة الحصول على الموافقات والتواقيع، وصولاً إلى رفع الملفات والتقارير وتصديرها بشكل آلي بدلاً من العمل اليدوي التقليدي الذي كان يستغرق وقتاً طويلاً ويحتمل أخطاءً.
جمع البيانات وأتمتة آليات المتابعة في المنشآت الإنسانية
تُشكل البيانات الدقيقة والمُحدّثة الركيزة الأساسية لنجاح أيّ تدخل إنسانيّ، خاصّة في المنشآت التي تستقبل أعداداً كبيرة من المستفيدين مثل المشافي والمستوصفات ومراكز التغذية والمدارس. إنّ اعتماد الأتمتة في جمع هذه البيانات وتحليلها وتحديثها دورياً يضمن عدم تكرار الخدمات لنفس المستفيدين، ويُساعد في توحيد قواعد البيانات، مما يُقلّل الهدر ويُحسّن من جودة وكفاءة الخدمات المقدمة.
كما تُساعد الأتمتة في متابعة حالات المستفيدين بشكل متكرّر ومنتظم، وتُسهّل الوصول إلى سجلاتهم الصحية والتعليمية والغذائية بشكل آمن وسريع، وتُقلل احتمالية ضياع البيانات الورقية التقليدية أو وقوع أخطاء بشرية في التسجيل اليدوي.
الحماية وأمن البيانات في العمل الإنساني
مع التوسع في استخدام التقنية الرقمية، تبرز أهمية الحماية وحفظ بيانات المستفيدين كأولوية لا يمكن إغفالها. تتعامل المنظمات الإنسانية عادة مع بيانات شخصية وحساسة مثل المعلومات الصحية أو المالية.
لضمان حماية هذه البيانات، لا بد من:
- تشفير البيانات الحساسة: اعتماد تقنيات التشفير القوي التي تضمن سلامة البيانات وعدم تعرضها للاختراق.
- عدم استخدام بيانات المستفيدين دون موافقة صريحة: على المؤسسات الإنسانية توضيح مجالات استخدام البيانات للمستفيدين بوضوح تام، وعدم مشاركتها أو استخدامها في مجالات أخرى دون موافقتهم.
- التوعية والتدريب المستمر: تدريب الكوادر على ممارسات أمن المعلومات، وتعزيز ثقافة الخصوصية داخل المؤسسات.
شراكات استراتيجية: منصة رافد 360 مثالاً
لا يمكن الحديث عن التحول الرقمي دون الإشارة إلى تجارب الشراكات الناجحة التي أحدثت أثراً حقيقياً. من هذه الشراكات، تعاون الملتقى الدولي للمنظمات التنموية (iFDO) مع شركتَي فروم سكراتش (From Scratch) وخطوات رقمية (Digi Steps)، والذي نتج عنه إطلاق منصة رافد 360 التي تقرأ منها هذا المقال، عزيزي القارئ.
هذه المنصة هي الأولى عربياً، وتُعنى بتمكين المنظمات وروّاد الأعمال في القطاع الإنساني. تمكّن المنصة مستخدميها من تنظيم أعمالهم بفعالية أكبر، وتُساعدهم في تنسيق الجهود وتبادل الخبرات بشكل متكامل وآمن.
تحديات التحول الرقمي وكيفية مواجهتها
على الرغم من المزايا الكبيرة، تبقى هناك تحدياتٌ تواجه المؤسسات في رحلتها نحو التحول الرقمي، مثل التكلفة المالية، ومقاومة التغيير، وضعف البنية التقنية في بعض المناطق. لكن يمكن التغلب على هذه التحديات عبر:
- بناء شراكات مع شركات تقنية توفر حلولاً معقولة التكلفة.
- الاستثمار في تدريب وتأهيل الموظفين بشكل مستمر.
- تبنّي حلول مفتوحة المصدر لتقليل التكاليف.
خلاصة
يُمثل الابتكار الرقمي اليوم ركيزة أساسية في تطوير العمل الإنساني وتعزيز أثره واستدامته. فهو لا يقتصر على تحسين الكفاءة التشغيلية، بل يمتد ليشمل حماية كرامة المستفيدين وضمان وصول الدعم لمن يستحقه في الوقت المناسب وبالطريقة الأنسب.
وفي ظل التحديات المتزايدة، تبرز الحاجة إلى تبنّي تقنيات رقمية تراعي القيم الإنسانية وتُسهم في بناء أنظمة أكثر عدالة وشفافية. فالتحول الرقمي لم يعد خياراً، بل ضرورة لعمل إنساني أكثر فعالية وأماناً في عالم سريع التغيّر.
كنت أعتزم سابقاً إعداد مقال متكامل حول مفهوم التحول الرقمي في المنظمات التنموية، إلا أنّ المستشار القدير في أمن المعلومات والجرائم الإلكترونية، السيد عمران سالم، سبقني إلى كتابة مقال شامل ومفيد في هذا الشأن، يمكنكم الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي: التحول الرقمي في العمل التنموي: نحو فعالية مستدامة
ومن يدري، قد أعود لاحقاً لكتابة مقال أو أكثر حول التحول الرقمي، فالمجال واسع والتجارب فيه لا تنضب.
هل كان المقال مفيداً؟