معلومات الكاتب

الوقف كأداة للتنمية المستدامة: من العمل الخيري التقليدي إلى حلول تنموية فعالة
محمد صويلح
مستشار المصرفية الإسلامية والأوقاف.
خبير في العمليات المصرفية، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون الخاص، ويتمتع بخبرة واسعة تجمع بين التأصيل الفقهي والرؤية المصرفية المعاصرة،يشغل حاليًا منصب مدير أول للاستثمار الوقفي في بنك نزوى كما يقدم حلولًا شرعية واستثمارية مبتكرة تدعم استدامة القطاع الوقفي وتعزز أثره الاجتماعي والاقتصادي.
عرض مقالات الكاتب

بيانات التواصل

شارك المحتوى

الوقف كأداة للتنمية المستدامة: من العمل الخيري التقليدي إلى حلول تنموية فعالة

العمل الوقفي والإنساني
الأحد، 29 يونيو 2025
87 مشاهدة
blog

مثّل الوقف في الحضارة الإسلامية ركيزة أصيلة من ركائز العمل الخيري والاجتماعي، ووسيلة فعّالة لتأمين موارد مستدامة تخدم حاجات الدولة والمجتمع عبر الأجيال. لكن،،، ومع تطور مفهوم التنمية واتساع دوائر الحاجة، بات من الضروري إعادة النظر في الأدوات الوقفية وإمكاناتها، للخروج بها من إطار الممارسة التقليدية القائم على تقديم المساعدات الآنية – الإغاثة المستعجلة- ، إلى أداة تمويل تنموي مستدام – كما يفترض لها أن تكون- ، تُسهم في بناء الإنسان وتمكين المجتمعات، وتدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs).

 

أولاً: التحول من مساحة العمل الخيري إلى مساحة العمل التنموي.

ظلّ الوقف عبر قرون ماضية يُمارسُ في إطار الممارسة التعبدية التي تقربنا من الله تعالى، وفي إطار العطاء الخيري الفردي، الذي يركز غالبًا على تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الطعام، والكساء، والتعليم الديني والممارسة التعبدية المحضة. ومع أن لهذه المبادرات أثرًا محمودًا، إلا أنها غالبًا ما تبقى محدودة النطاق والتأثير الزمني. أما في العصر الحديث، ومع تصاعد التحديات الاقتصادية والاجتماعية، لم يعد كافيًا الاعتماد على نماذج الخير الموسمي أو المساعدات الطارئة. فالمطلوب في عالم اليوم هو وقفيات تُدار بعقلية اقتصادية منتجة، تُنتج أثرًا متراكمًا، وتدعم مسارات التنمية الشاملة.

 

ثانيًا: الوقف والتنمية المستدامة: الأطر المشتركة.

يتقاطع مفهوم الوقف مع العديد من أهداف التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة ضمن أجندة 2030، ومنها:
  • القضاء على الفقر (الهدف 1): من خلال تمويل مشاريع التمكين الاقتصادي، كحاضنات الأعمال الريادية وصناديق دعم المشاريع الصغيرة.
  • الصحة الجيدة والرفاه (الهدف 3): من خلال تأسيس أوقاف طبية مستدامة لتمويل العيادات والمستشفيات.
  • التعليم الجيد (الهدف 4): عبر إنشاء أوقاف تعليمية تمول المنح الدراسية وبرامج التدريب المهني، إضافة إلى البحث العلمي والمبادرات المعرفية النوعية.
  •  المساواة بين الجنسين (الهدف 5): من خلال مبادرات تمكين المرأة اقتصاديًا وتعليميًا.
  • العمل اللائق ونمو الاقتصاد (الهدف 8): بتمويل برامج التشغيل وتطوير المهارات.

 

تكمن قوة الوقف في كونه إطاراً وممارسة مالية مستقلة وغير مرتبطة بموازنة الحكومات والقطاع الخاص، ما يمنحه قدرة استثنائية على دعم المبادرات المجتمعية بعيدًا عن التقلبات السياسية والاقتصادية، وحسابات الربح والخسارة التي تسيطر على القطاع الخاص.

 

ثالثًا: نماذج عملية لإعادة تفعيل الوقف التنموي

بهدف تفعيل أدوات الوقف بما يخدم أهداف التنمية المستدامة، يمكن اعتماد نماذج مبتكرة للعمل الوقفي، نذكر منها:
  • الصناديق الوقفية التنموية: وهي صناديق يُخصص ريعها لدعم مشاريع تنموية ذات أثر طويل الأمد، كمشاريع الزراعة المجتمعية أو المدن الذكية.
  • الوقف الريادي (Entrepreneurial Waqf): وهو نموذج حديث يدمج بين العمل الريادي والاستثمار الوقفي، حيث يتم توظيف الأموال الوقفية في مشروعات إنتاجية تدر عائدًا مستدامًا، يُعاد توجيهه إلى الأغراض المجتمعية.
  • الوقف الجماعي (Crowd-Endowment): من خلال منصة رقمية تُتيح للأفراد المشاركة بمبالغ صغيرة لتأسيس أوقاف جماعية تخدم أغراضًا تنموية، بما يعزز روح المسؤولية المجتمعية.
  • الوقف المؤقت (Temporary Waqf): نموذج يسمح بوقف الأصول أو الإيرادات لفترة زمنية محددة تخدم هدفًا تنمويًا معينًا، ثم تعود الأصول إلى صاحبها، ما يُحفز الأفراد على المشاركة دون تردد.

 

رابعًا: التحديات والفرص

رغم ما تتيحه الأدوات الوقفية من مرونة وتمويل مستدام، إلا أن تفعيلها يواجه عدة تحديات، منها:
  • التحدي التشريعي: فكثير من الدول، ما تزال التشريعات الوقفية تقليدية فيها، ولا تواكب التطور في أدوات ونطاقات الاستثمار والحوكمة الحديثة.
  • ضعف الحوكمة والشفافية: ما يُقلل من ثقة المجتمع والمؤسسات في فعالية الأوقاف.
  • نقص الكفاءات المتخصصة: خاصة في مجال إدارة المحافظ الوقفية والربط بين المشاريع التنموية والأهداف الشرعية للوقف.

 

لكن في المقابل، هناك فرص واعدة يمكن البناء عليها، ومنها:
  •   تصاعد اهتمام المؤسسات الدولية بالتمويل الإسلامي كأداة للتمكين الاجتماعي.
  •  توسع الاقتصاد الرقمي وما يوفره من أدوات قياس الأثر وحوكمة للأداء الوقفي.
  •  تنامي الطلب على الحلول التنموية الإسلامية، خاصة في العالم الإسلامي ودول الجنوب العالمي.

 

خامسًا: نحو نموذج متكامل للوقف التنموي

لتفعيل الوقف كأداة فاعلة في التنمية، لا بد من اعتماد نموذج متكامل يتضمن ما يلي:
  • تحديث الإطار القانوني للوقف: بحيث يُجيز أنواع الوقف الحديثة، ويمنح الأوقاف الحماية القانونية الكافية للقطاع الوقفي ومستحدثات العمل فيه.
  •  بناء مؤشرات قياس الأثر الوقفي: لقياس مساهمة الوقف في تحقيق أهداف التنمية، وليس فقط في حجم الإنفاق أو عدد المستفيدين.
  •  إدماج القطاع الخاص: من خلال بناء شراكات وقفية مبتكرة، كأن تُخصص نسبة من أرباح الشركات للوقف، إضافة إلى نقل الخبرات من القطاع الخاص إلى القطاع الوقفي.
  • إشراك الشباب والتقنيين: لتقديم حلول رقمية لإدارة الوقف، وتوسيع قاعدته المجتمعية.

 

خلاصة القول

لم يعد الوقف مجرد ممارسة تعبدية دينية أو لسد الحاجات الطارئة، بل بات ضرورة استراتيجية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وأداة تنموية استثمارية . ولكي نُفعّل هذه الأداة بما يليق بامكاناتها، لا بد من مقاربة علمية وعملية، تدمج بين المبادئ الشرعية وأدوات الاقتصاد الحديث، وتفتح المجال لشراكات جديدة بين القطاع الوقفي، والمؤسسات التنموية، والمجتمع المدني.

ففي ظل عالم تتزايد فيه التحديات، يبقى الوقف أداة استثنائية لبناء مستقبل أكثر عدلاً وتوازنًا.

هل كان المقال مفيداً؟

يجب عليك تسجيل الدخول لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة

المزيد من المقالات
آفاق التعاون بين مؤسسات الوقف والمنظمات التنموية
العمل الوقفي والإنساني
الأحد، 1 يونيو 2025

آفاق التعاون بين مؤسسات الوقف والمنظمات التنموية

استكشاف فرص التعاون بين المؤسسات الوقفية والجمعيات التنموية لتعزيز الاستجابة الإنسانية وتحقيق التنمية المستدامة في البلدان النامية والمأزومة.
avatar
محمد صويلح
مستشار المصرفية الإسلامية والأوقاف.
0 210