معلومات الكاتب

آفاق التعاون بين مؤسسات الوقف والمنظمات التنموية
محمد صويلح
مستشار المصرفية الإسلامية والأوقاف.
خبير في العمليات المصرفية، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون الخاص، ويتمتع بخبرة واسعة تجمع بين التأصيل الفقهي والرؤية المصرفية المعاصرة، لا سيما في مجال التمويل الإسلامي والاستثمار الوقفي. يشغل حاليًا منصب مدير أول للاستثمار الوقفي في بنك نزوى، ويعمل كمستشار معتمد في مجالات المصرفية الإسلامية والأوقاف، مقدمًا حلولًا شرعية واستثمارية مبتكرة تدعم استدامة القطاع الوقفي وتعزز أثره الاجتماعي والاقتصادي.
عرض مقالات الكاتب

بيانات التواصل

آفاق التعاون بين مؤسسات الوقف والمنظمات التنموية

العمل الوقفي والإنساني
الأحد، 1 يونيو 2025
57 مشاهدة
blog

تمثل الأوقاف الإسلامية منظومة اقتصادية وتنموية فريدة من نوعها، أسهمت عبر التاريخ في بناء الحضارة الإسلامية، ودعمت الخدمات العامة في مجالات التعليم، والصحة، والإغاثة، والرعاية الاجتماعية، دون الاعتماد على خزائن الدولة.

أما اليوم، وفي ظل التحديات المركبة والمتنامية التي تواجهها الدول النامية والدول التي تمر بأزمات إنسانية واقتصادية، يبرز دور الأوقاف كشريك استراتيجي يمكنه المساهمة الفعالة في الاستجابة الإنسانية والتنمية المستدامة. ويتطلب هذا الدور تفعيل منهجية “التشبيك” بين المؤسسات الوقفية من جهة، والمنظمات التنموية والإغاثية من جهة أخرى، لتحقيق أعلى درجات التكامل في خدمة المجتمعات المستضعفة.

 

أولاً: دوافع وأهمية التشبيك

إن التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم – من نزاعات مسلحة، وكوارث طبيعية، وتغير مناخي، وأزمات لجوء، وفقر متفاقم – تفرض على مختلف الجهات الفاعلة في العمل الخيري والخدمات الإنسانية اعتماد نهج التشاركية والتكامل بدلًا من العمل الفردي والمجزأ. ومن هذا المنطلق، فإن فرص التشبيك بين المؤسسات الوقفية والمنظمات التنموية تكتسب أهمية محورية للأسباب الآتية:

  •  تعظيم الأثر وتحقيق الكفاءة: يسهم التنسيق في تجنب ازدواجية البرامج، ويعزز من استخدام الموارد بكفاءة، ويركز الجهود على مجالات ذات أولوية.
  • استدامة العمل التنموي والإغاثي: توفر الأوقاف مصدرًا ماليًا طويل الأجل يمكن أن يدعم البرامج التنموية والإغاثية باستمرار.
  • تعزيز الثقة والمصداقية: الشراكة بين الجهات الوقفية والمؤسسات ذات الخبرة الميدانية يعزز ثقة المانحين والمستفيدين في المشاريع.
  • تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs): من حيث تقاطع أهداف الوقف مع عدد كبير من أهداف التنمية المستدامة، والتي تشكل دعامة أساسية لتحقيقها في البيئات المأزومة.

 

ثانيًا: مجالات التعاون المحتملة

في ضوء التحديات القائمة والفرص المتاحة، يمكن تحديد مجالات متعددة للتعاون والشراكة بين المؤسسات الوقفية والمنظمات التنموية والإغاثية، ومنها:

 

1.المشاريع الوقفية التنموية المشتركة

يمكن إنشاء أوقاف تنموية مخصصة لتمويل مشاريع الإغاثة والتنمية المستدامة، مثل:

  • وقف لدعم التعليم في مناطق النزاعات.
  • وقف صحي لتمويل العيادات والمستشفيات الميدانية.
  • وقف زراعي لدعم الأمن الغذائي عبر توزيع البذور والمعدات.
  • وقف لدعم مشاريع التمكين الاقتصادي للنساء والأيتام.

 

2.تمويل البنية التحتية الحيوية

تلعب الأوقاف دورًا مهمًا في إنشاء وتجهيز البنى التحتية الأساسية، مثل المدارس، والآبار، والمستشفيات، ومراكز التدريب. وتستفيد الجمعيات من هذه المرافق لتقديم الخدمات دون تحمل تكلفة الإنشاء، مما يحقق الاستدامة وتقليل التكاليف التشغيلية.

 

3.الصناديق الوقفية المشتركة

يمكن للطرفين إنشاء صناديق مالية مشتركة موجهة لأغراض محددة، مثل:

  • صندوق وقفي لإغاثة اللاجئين والنازحين داخليًا.
  • صندوق لدعم المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية.
  • صندوق لتوفير القروض الصغيرة للمشاريع الإنتاجية في المجتمعات الفقيرة.

 

4.تطوير منتجات استثمارية متوافقة مع الشريعة

تتيح الشراكة بين الوقف والجمعيات إمكانية ابتكار أدوات تمويلية، مثل الصكوك الوقفية التنموية، أو محافظ استثمارية تشاركية مخصصة لدعم التعليم أو الصحة أو البيئة، مع ضمان التوافق الشرعي والشفافية.

 

5.الشراكة في التدريب وبناء القدرات

يمكن للمؤسسات الوقفية دعم برامج التدريب المهني والحرفي التي تنفذها الجمعيات التنموية، أو إنشاء مراكز تدريب دائمة مخصصة لتمكين الشباب والنساء في المجتمعات الهشة.

 

ثالثًا: نماذج تطبيقية ملهمة.

هناك نماذج رائدة للتشبيك في عدة دول، ومنها:
  • وقفية الملك عبد الله العالمية لخدمة اللغة العربية التي عقدت شراكات مع مؤسسات تعليمية وإغاثية لإطلاق برامج تعليم اللغة في مخيمات اللاجئين.
  • الوقف التنموي لجمعية قطر الخيرية الذي يدعم مشاريع إنسانية في إفريقيا وآسيا، بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونيسف وWFP.
  • صندوق الأمل الوقفي في السودان الذي تم بالشراكة بين مؤسسات وقفية محلية ومنظمات غير حكومية لتمويل مشاريع سكنية وتعليمية للنازحين داخليًا.

 

رابعًا: فرص جديدة للشراكة

في ظل التحولات الرقمية وتزايد الوعي بالحوكمة والشفافية، تبرز فرص واعدة لتوسيع الشراكات، منها:
  • إطلاق منصات رقمية للوقف التشاركي تربط المؤسسات الوقفية بالجمعيات العاملة في الميدان، مع إمكانية متابعة أثر التبرعات والوقفيات.
  • إنشاء تحالفات إقليمية للتمويل الوقفي التنموي تضم مؤسسات من الخليج، والمغرب العربي، وشرق أفريقيا، لتنسيق الاستجابة للأزمات الكبرى.
  • استخدام تقنية البلوكتشين في توثيق أعمال الوقف، وضمان الشفافية في الصرف، خاصة عند العمل مع شركاء في مناطق النزاع.
  • ربط الجامعات والمراكز البحثية بالمبادرات الوقفية والإغاثية لإعداد دراسات جدوى وتقييم الأثر الاجتماعي للمشاريع المشتركة.

 

خامسًا: متطلبات نجاح الشراكات

لضمان نجاح الشراكة بين المؤسسات الوقفية والمنظمات التنموية، لا بد من مراعاة ما يلي:

  • إطار قانوني وتنظيمي مرن يسمح للأوقاف بالاستثمار في مشاريع خارج مناطقها الجغرافية التقليدية.
  • وجود هياكل حوكمة فعالة لإدارة المشاريع المشتركة والرقابة على التنفيذ.
  • تحديد أولويات تنموية واضحة تقوم على الاحتياج الفعلي والبيانات الموثوقة.
  • اعتماد مؤشرات قياس أثر واضحة لقياس فعالية البرامج واستدامتها.
  • بناء الثقة المتبادلة عبر الالتزام بالشفافية، ونشر التقارير المالية والأثرية.

خاتمة

إن التشبيك بين المؤسسات الوقفية والمنظمات التنموية والإغاثية يمثل ضرورة استراتيجية في زمن تتعدد فيه التحديات وتتعقد فيه الأزمات. فبدلًا من العمل الفردي الذي يستهلك الجهد ويقلل الأثر، فإن الشراكة المؤسسية توفر مظلة قوية تجمع التمويل المستدام مع الخبرة الميدانية، وتمنح المجتمعات الهشة فرصة حقيقية للنهوض والتمكين، ويتطلب هذا النهج إرادة صادقة، ومأسسة حقيقية، ورؤية استراتيجية عابرة للحدود، تنظر إلى الوقف كأداة لتغيير الواقع لا مجرد وسيلة للإنفاق التقليدي.

 

هل كان المقال مفيداً؟

يجب عليك تسجيل الدخول لإضافة تعليق.