معلومات الكاتب

من التهميش إلى التمكين: تجربتي في بناء نماذج شراكة مجتمعية دامجة
أيمن طنطاوي
خبير التنمية المجتمعية والدمج والتمكين
خبير في تنمية المجتمع المدني يتمتع بخبرة تتجاوز 20 عامًا في تطوير المؤسسات والمسؤولية الاجتماعية وخدمات التأهيل. أسس جمعية كيان ويشغل منصب المدير التنفيذي، حيث قاد مبادرات عديدة لتمكين الأفراد وتحسين جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة.
عرض مقالات الكاتب

بيانات التواصل

من التهميش إلى التمكين: تجربتي في بناء نماذج شراكة مجتمعية دامجة

التمكين المجتمعي لذوي الإعاقة
الثلاثاء، 13 مايو 2025
437 مشاهدة
blog

في معظم الدول النامية، لا تزال قضية الإعاقة تُدار من منظور تقليدي يختزل الأشخاص ذوي الإعاقة في كونهم "محتاجين" للرعاية أو "حالات إنسانية" تستدعي الشفقة، بدلًا من الاعتراف بهم كفاعلين رئيسيين في عمليات التنمية. خلال أكثر من عقدين من عملي في مصر والمنطقة العربية وإفريقيا، أدركت أن جوهر التغيير يبدأ من تحول منهجي: من تقديم الخدمات إلى بناء الشراكات، ومن الرؤية الخيرية إلى النهج الحقوقي، ومن الحلول المركزية إلى التأهيل المرتكز على المجتمع (CBR).

 

تهميش ممنهج لا طارئ عابر

حين نتحدث عن "تهميش الأشخاص ذوي الإعاقة"، فإننا لا نشير إلى مظاهر سطحية، بل إلى بنية مجتمعية عميقة تُقصي هؤلاء الأفراد من التعليم والعمل والمشاركة. في العديد من القرى المصرية، كما في بعض المناطق الريفية في السودان واليمن، كان غياب البنية التحتية، وسوء الفهم المجتمعي للإعاقة، وغياب السياسات الدامجة، عوامل متضافرة لإقصاء ملايين الأشخاص عن فرص الحياة الكريمة.
الأخطر أن هذا التهميش لا يظهر فقط في الشوارع والمباني، بل في القرارات، واللغة المستخدمة، والبيانات غير المتوفرة. فحين تغيب الإحصاءات الدقيقة عن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة واحتياجاتهم، لا يمكن لأي سياسة أن تكون فعالة.

 

من الاحتياج إلى الشراكة: نموذج التغيير المجتمعي

في بدايات عملي كممارس ميداني، كنت أرى الأثر المحدود للمبادرات التي تقدم خدمات دون إشراك المجتمعات المحلية. لكن التحول الجذري جاء عندما بدأنا نؤسس لبرامج تستند إلى نهج CBR، حيث يكون الشخص ذو الإعاقة جزءًا من التخطيط والتنفيذ والتقييم.
أحد النماذج التي ساهمت في تصميمها كان في محافظات صعيد مصر، حيث أطلقنا برنامج "وصول"، بالشراكة مع لجان محلية، قيادات شبابية، وجمعيات قاعدية. لم يكن الهدف فقط تحسين الوصول، بل خلق ثقافة قبول وإدماج. هذا النموذج لم يغيّر فقط حياة الأفراد، بل غيّر طريقة تفكير المجتمع حول الإعاقة.

 

دروس من الميدان: التحديات كفرص للابتكار

خلال رحلة العمل، كنت شاهد عيان على تحديات مثل ضعف فهم الإدماج، غياب الدعم المالي، مقاومة بعض المؤسسات الرسمية. لكن التجارب أثبتت أن الاستثمار في بناء قدرات المجتمع المحلي، وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة كـ"خبراء حياة" يمكن أن يخلق تحولات عميقة.
استخدمنا أدوات بسيطة لكنها فعالة:

  • مجموعات دعم ذاتي يقودها الأشخاص ذوو الإعاقة.
  • اتفاقيات مجتمعية تعزز الدمج في المدارس والوظائف.
  • شبكات ضغط محلية تُطالب بتحسين السياسات.

الأثر كان ملموسًا: زيادة في معدلات الالتحاق بالتعليم، فرص عمل محلية مدعومة، ونماذج شبابية قيادية تواصل التأثير.

 

التمكين: نهج مستدام يتجاوز السياقات

التمكين الحقيقي لا يُقاس بعدد الورش أو المساعدات، بل بقدرة الأشخاص على قيادة حياتهم، وعلى التأثير في بيئاتهم. في السياقات الإفريقية والعربية، ومع اختلاف الثقافات والظروف، يبقى المبدأ الأساسي واحدًا: لا تنمية دون مشاركة كاملة وفاعلة للأشخاص ذوي الإعاقة.
النموذج المجتمعي لا يمكن نسخه حرفيًا من بلد إلى آخر، لكن المبادئ التي يقوم عليها—الشراكة، الاحترام، الملكية المحلية—قابلة للتكييف حسب السياق الثقافي والاجتماعي.

 

خاتمة: من الهامش إلى المركز... مسؤوليتنا جميعًا

التنمية الشاملة لا تتحقق إلا عندما يتحول المهمشون إلى شركاء. تجربتي في بناء نماذج مجتمعية دامجة علّمتني أن الإدماج ليس فقط مسؤولية الحكومات أو المنظمات، بل مسؤولية كل فرد ومؤسسة. علينا أن نعيد تعريف التنمية، بحيث لا تستثني أحدًا.
وأخيرًا، فإن كل تجربة ناجحة في الإدماج المجتمعي، مهما كانت بسيطة، هي خطوة نحو مجتمع أكثر عدالة وإنسانية.

 

هل كان المقال مفيداً؟

يجب عليك تسجيل الدخول لإضافة تعليق.