معلومات الكاتب
كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي التوليدي تشكيل أثر القطاع المدني عالميًّا
.ai-(2)-avatar.jpg)
يشهد القطاع المدني حول العالم موجة تبنٍّ متسارعة للذكاء الاصطناعي التوليدي، فوفقاً لاستطلاع "ماكينزي" لعام 2024؛ تستخدم 65٪ من المؤسَّسات هذا النوع من الذكاء، وفي الوقت نفسه، يكشف تقرير آخر أنَّ أكثر من نصف المنظمات غير الربحية تُجرِِّب تقنيات الذكاء الاصطناعي، وحقيقة الأمر أنَّنا على أعتاب فرصة كبيرة في تسخير الذكاء الاصطناعي التوليدي في زيادة الأثر التنموي، لأنَّه يمكن أن يختزل الوقت والتكلفة في آنٍ معًا، ويُحسِّن أيضًا من وصول الخدمات إلى شرائحَ جديدةِ من المجتمع.
وتيرة تبنٍّ متسارعة: أرقام 2024 في نظرةٍ سريعةٍ
بادئ ذي بدء، يُشكِّل الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصةً واعدةً في القطاع المدني، إذ لا يقتصر دوره على توليد المحتوى المكتوب فقط، بل يمتد ليشمل مختلف أنواع المحتوى؛ من النصوص والصور وصولًا إلى الفيديوهات والأصوات.
في الواقع، يتجاوز دوره ما سبق إلى قدرته على تحليل البيانات وتوليدها، ما يُوفِّر على المنظمات ساعاتٍ ثمينةٍ من العمل، ويُساعد بشكلٍ أو بآخر في تسريع وتيرة الابتكار، وهو العنصر الجوهري في عمل هذه المنظمات، وتماشيًا مع ما ذُكِر أعلاه؛ أفادت أكثر من نصف المنظَّمات غير الربحية بأنَّها تستخدم الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين الكفاءة الداخلية، مثل أتمتة إعداد التقارير وإدارة البيانات، كما يعتقد نحو 97٪ من القادة أنَّ الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen AI) سيُشكّل محرِّكًا رئيسًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، كما أظهرت البيانات أن نحو 74٪ من الشركات التي استثمرت في هذا النوع من الذكاء الاصطناعي قد حقَّقت أو تجاوزت العائد المتوقَّع خلال عام 2024.َ
نماذج عالمية رائدة تعيد تشكيل الأثر
تُظهر تجارب استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في القطاع المدني تحوُّلًا نوعيًّا في أداء المنظمات غير الربحية والحكومية، ولا سيما في تعزيز التفاعل مع المستفيدين وتحسين الاستجابة للأزمات.
على سبيل المثال، منصَّة U-Report التابعة لليونيسف والتي تستخدم روبوتات محادثة مبنيَّة على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي للوصول إلى 29 مليون شاب في 95 دولة، فتجمع آراءهم حول قضايا حقوق الإنسان خلال دقائق، بدلًا من أسابيع! وفي إندونيسيا وحدها؛ تصل هذه المنصَّة إلى أكثر من مليون شاب لجمع مدخلاتهم حول الصحَّة والمهارات. في نفس السياق، وفي مبادرة مشابهة، طوَّرت منظمة IRC بالتعاون مع Google مشروع Signpost، وهو نظامٌ يقدِّم ردودًا مُولَّدةً تلقائيًّا لتوجيه اللاجئين نحو الخدمات الحيوية، مستفيدًا من قدرات الذكاء التوليدي على توفير معلوماتٍ دقيقةٍ وآنيّةٍ للمُهجَّرين، الذين يُقدَّر عددهم اليوم بنحو 120 مليون إنسان.
على المستوى العملي، وفي مجال تحليل البيانات والتقارير الطارئة؛ يعتمد الصليب الأحمر الأمريكي على نماذج توليدية لتلخيص تأثير الكوارث خلال 15 دقيقة فقط، مما اختصر ساعات من العمل اليدوي، خصوصًا بعد التعاون مع شركة Intel في تطوير خوارزميات لرؤية حاسوبية تعزِّز من سرعة الاستجابة ورسم الخرائط، ومن هذا المنطلق؛ نفَّذ برنامج الأغذية العالمي (WFP) إستراتيجيةً طموحةً لدمج الذكاء الاصطناعي بين عامي 2025 و2027، بما يشمل توظيف خوارزميات التنبُّؤ لتحديد الاحتياجات الغذائية حتى ثلاث سنواتٍ مقبلةٍ، سعيًا لتوفير نحو 300 مليون دولار من التكاليف التشغيلية وتعزيز الجاهزية في البيئات الهشَّة، أمَّا في سياق التمويل وكتابة المنح، فقد أظهرت تجربة ريادية في مجتمعٍ غير ربحيٍّ في الولايات المتحدة كيف ساعد استخدام ChatGPT في إعداد منحة بملايين الدولارات، مما وفَّر 40% من وقت الفريق وساعد بدوره في توضيح الأهداف بشكلٍ أكثر فعالية.
استخدامات تطبيقية للمنظمات المدنية
أعتقد أنَّ الذكاء الاصطناعي التوليدي يقدِّم طيفًا واسعًا من الاستخدامات العملية والملهمة التي تُحدث فارقًا نوعيًّا في أداء المنظمات المدنية من دون الحاجة إلى بنى تقنية معقَّدة أو الخوف من تداعيات مبالغ فيها، وسأطرح في هذه العجالة بعض الاستخدامات الملهمة على شكل اقتراح مساعدين اذكياء حيث ساستخدم كلمة المساعد في ترجمة لمصطلح Custom gpt.
في الحقيقة، يبرز في مقدِّمة هذه الاستخدامات "مساعد التواصل الذكي"، الذي يوفِّر خدمةً ثنائيةً أو متعددة اللغات مع المستفيدين، من خلال روبوت دردشة يولِّد ردودًا فوريةً وودّيَةً عبر تطبيقات مثل واتساب، وتيليغرام، أو مثل المواقع الإلكترونية مع ترجمةٍ تلقائيةٍ بين اللغة العربية ولغات الجمهور الأخرى، ما يؤدِّي -بطبيعة الحال- إلى تسريع الخدمة، ورفع مستوى الرضا، وتحرير طاقات الموظفين للمهمَّات الاستراتيجية والأهم جعل الموقع متعدِّد اللغات مباشرة.
من ناحيةٍ أخرى، للذكاء الاصطناعي التوليدي دور في "توليد تقارير الأثر والملخّصات التنفيذية" بشكل تلقائي؛ إذ يمكنه تلخيص جداول البيانات والسجلَّات الميدانية وتحويلها إلى تقارير غنية بالرسوم البيانية والنصوص الجاهزة للإرسال إلى الجهات المانحة خلال دقائق بدلاً من أيام العمل اليدوي. على صعيدٍ آخر، وفي مجال التوعية المجتمعية؛ يتيح "محرِّك الحملات الإبداعية" إنتاج محتوى متنوِّع، يشمل منشورات وسائل التواصل، ومقاطع الفيديو القصيرة، والصور التوضيحية (الإنفوغرافيك)، مع اقتراح جداول نشر وعبارات تفاعلية تزيد من الوصول العضوي وتُقلِّل التكاليف الإعلانية.
أما في سياق التمويل؛ فيُوفِّر "كاتب المنح الافتراضي" دعمًا بالغ الأثر عبر توليد مسودَّات مقترحات التمويل وخطابات النوايا استنادًا إلى بيانات المنظمة واهتمامات الجهات المانحة، ما يُسرِّع عملية التقديم بنسبة تصل إلى 40٪، ويُعزِّز وضوح الرسالة ومصداقيتها. وأخيراً، يمكن أن يقترح "مولّد السيناريوهات التدريبية" إعداد محتوى تدريبي واقعي لمحاكاة الأزمات، مستندًا إلى بيانات كوارث سابقة، مع إنتاج رسائل بريدية ونصوص تحاكي قرارات الطوارئ، ما يُساعد بدوره في رفع جاهزية الفرق الميدانية بكفاءةٍ وبتكلفةٍ محدودةٍ.
خلاصة القول
لا يقف الذكاء الاصطناعي التوليدي أمام أبواب القطاع المدني ليطرقها! بل يتجاوز ذلك ليفتحها على مصاريعها، حاملًا معه آفاقًا غير مسبوقةٍ من التمكين والتأثير، فمن التوسُّع الهائل في التواصل مع الشباب، إلى رسم خرائط الكوارث خلال دقائق، وصولاً إلى بلورة استراتيجيات الغذاء العالمية، تؤكِّد التجارب الدولية أنَّ هذا النوع من الذكاء الاصطناعي قادر على تضخيم الأثر الاجتماعي بوتيرةٍ لم يعرفها العالم من قبل.
وفيما تتسابق القطاعات الربحية نحو استثمار هذه التقنية بحثاً عن العوائد، فإنَّ على الفاعلين في القطاع المدني أن يُدركوا بدورهم قيمة هذه الطاقة الخلّاقة، وأن يوظِّفوها بلا تردُّدٍ لتحويل رؤاهم التنموية إلى واقعٍ ملموسٍ يتميَّز بالسرعة والاتِّساع وعمق الأثر.
خلاصة القول، لقد آنََ الأوان للمضي قدماً، وجعل العالم العربي ساحةً أخرى يُحتَفى فيها بهذه الثورة الذكية بل وتُستَغَل نحو إنتاجية أعلى وكفاءة أعلى ونتائج من دون شكٍّ أفضل.
هل كان المقال مفيداً؟